المرحلة الثالثة : قصة ما بعد إسلامه
ومما جاء من أحاديث وآثار فيما بعد إسلام عمر ..
1- ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم على صدر عمر
روى الحاكم والطبراني وابن عساكر بسندهم إلى خالد بن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن سالم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب صدر عمر حين أسلم وقال : اللهم أخرج ما في صدره من غل وداء وأبدله إيمانا .. يقول ذلك ثلاثا .
أخرجه الحاكم (3/91) والطبرانى في الكبير (12/305) وفى الأوسط (2/20) وابن عساكر في تاريخ دمشق (44/38) وأبو نعيم في دلائل النبوة (1/73) وابن المقرئ في معجمه (3/297) كلهم من طريق أبو جعفر النفيلي عن خالد بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر ، عن سالم عن أبيه .
وقال الهيثمى في مجمع الزوائد (9/65) : رجاله ثقات. وحسنه السيوطي في الخصائص الكبرى (2/246) وفي تعليق الذهبي في تلخيص مستدرك الحاكم : قال البخاري : خالد بن أبي بكر العمري له مناكير.
وقال ابن حجر : فيه لين .. وقال أبو حاتم كما في الجرح والتعديل (3/323) : يكتب حديثه .. وذكره ابن حبان في الثقات(6/254) وقال : يخطىء .
وقول البخاري يروي المناكير ، ليس من التضعيف الصريح كما حققه اللكنوي في الرفع والتكميل (ص210) فراجعه فانه مبحث هام جدا .
2- خوف عمر من قريش
قال ابن عمر رضي الله عنه : بينما عمر رضي الله عنه في الدار خائفاً ، إذ جاءه العاص بن وائل السهمي أبو عمرو عليه حلة حبرة وقميص مكفوف بحرير، وهو من بني سهم وهم حلفاؤنا في الجاهلية ، فقال : ما بالك ؟ قال : زعم قومك أنهم سيقتلوني إن أسلمت ، قال : لا سبيل إليك ، وبعد أن قالها أمنت ..
فخرج العاص فلقي الناس قد سال بهم الوادي، فقال : أين تريدون ؟
فقالوا : نريد هذا ابن الخطاب الذي صبأ ، قال : لا سبيل إليه ، فكَّر الناس .
والحديث صحيح : رواه البخاري رقم 3864 وهو من أفراده .
3- إعلان عمر لإسلامه على الملأ وما جرى له
منها ما رواه ابن إسحاق فقال : وحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر ، عن ابن عمر قال : لما أسلم أبي عمر قال : أي قريش أنقل للحديث ؟ فقيل له : جميل بن معمر الجمحي قال : فغدا عليه .
قال عبد الله بن عمر : فغدوت أتبع أثره ، وأنظر ما يفعل ، وأنا غلام أعقل كل ما رأيت ، حتى جاءه ، فقال له : أعلمت يا جميل أني قد أسلمت ودخلت في دين محمد ؟ فوالله ما راجعه حتى قام يجر رداءه واتبعه عمر ، واتبعت أبي ، حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته : يا معشر قريش ـ وهم في أنديتهم حول الكعبة ـ ألا إن عمر بن الخطاب قد صبأ .
قال ويقول عمر من خلفه : كذب ، ولكنى قد أسلمت ، وشهدت أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وثاروا إليه فما برح يقاتلهم ويقاتلونه ، حتى قامت الشمس على رؤوسهم . قال وطلع ، فقعد وقاموا على رأسه وهو يقول افعلوا ما بدا لكم ، فأحلف بالله أن لو قد كنا ثلاث مئة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا ، قال : فبينما هم على ذلك إذ أقبل شيخ من قريش ، عليه حلة حبرة وقميص موشى حتى وقف عليهم فقال : ما شأنكم ؟ قالوا : صبأ عمر ، فقال : فمه ؟ رجل اختار لنفسه أمراً فماذا تريدون ؟ أترون بني عدي بن كعب يسلمون لكم صاحبهم هكذا ! خلوا عن الرجل . قال : فوالله لكأنما كانوا ثوباً كشط عنه .
قال : فقلت لأبي بعد أن هاجر إلى المدينة : يا أبت ، من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت ، وهم يقاتلونك ؟ فقال : أي بني ، العاص بن وائل السهمى.
أخرجه ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام (1/233) وابن حبان كما في موارد الظمآن (2/218 ) والحاكم في المستدرك (3/85) مختصرا . وقال ابن كثير في البداية والنهاية (2/39) : وهذا إسناد جيد قوي . اهـ
وحسن إسنادها الإمام الألباني في صحيح موارد الظمآن (2181) وحسنها أيضا الشيخ مصطفى العدوي في الصحيح المسند من فضائل الصحابة (82-83) .
وآخره عند البخاري في قصة إسلام عمر رقم 3865.
4- قصة خروجه وتسميته بالفاروق
رواها أبو نعيم عن ابن عباس قال : سألت عمر : لأي شيء سميت ( الفاروق ) ؟ قال : أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام ، ثم شرح الله صدري للإسلام فقلت : الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى ، فما في الأرض نسمة أحب إليَّ من نسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : أين رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت أختي : هو في دار الأرقم بن أبي الأرقم عند الصفا ، فأتيت الدار وحمزة في أصحابه جلوسٌ في الدار ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت : فضربت الباب ، فاستجمع القوم ، فقال لهم حمزة : ما لكم ؟ قالوا : عمر بن الخطاب ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بمجامع ثيابي ثم نترني نترةً ، فما تمالكت أن وقعت على ركبتي فقال : ما أنت بمنته يا عمر ! فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، فكبر أهل الدار تكبيرةً سمعها أهل المسجد فقلت : يا رسول الله ! ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا ؟ قال : بلى ! والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم وإن حييتم ! قلت : ففيم الإختفاء ؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن ، فأخرجناه في صفين : حمزة في أحدهما وأنا في الآخر ، له كديد ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد ، فنظرت إلي قريش وإلى حمزة ، فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها ، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ( الفاروق ) .
القصة أخرجها أبو نعيم في الحلية (1/40) وفي الدلائل (1/315) وابن الجوزي في مناقب عمر وابن عساكر في تاريخ دمشق (44/20) وذكرها الحافظ ابن حجر في الإصابة (4/280) وقال : وأخرج محمد بن عثمان بن أبي شيبة في تاريخه بسند فيه إسحاق بن أبي فروة . اهـ
والقصة في سندها إسحاق بن أبي فروة ، قال ابن حجر: متروك . ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة قد كذبه قوم وفيه أيضا من لم يعرف .
5- ذهاب عمر لأبي جهل
قال ابن إسحاق وحدثني عبد الرحمن بن الحارث عن بعض آل عمر أو بعض أهله قال ، قال عمر :
لما أسلمت تلك الليلة تذكرت أي أهل مكة أشد لرسول الله صلى الله عليه وسلم عداوة حتى آتيه فأخبره أني قد أسلمت قال قلت - أبو جهل وكان عمر لحنتمة بنت هشام بن المغيرة - قال فأقبلت حين أصبحت حتى ضربت عليه بابه قال فخرج إلي أبو جهل فقال مرحباً وأهلاً بابن أختي ما جاء بك ؟
قلت جئت لأخبرك أني قد آمنت بالله وبرسوله محمد وصدقت بما جاء به ..
قال فضرب الباب في وجهي وقال قبحك الله وقبح ما جئت به.
رواه معضلا ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام (1/101) ووصله ابن عساكر في تاريخ دمشق (44/41) بسنده عن عبد العزيز بن عمران ( وهو متروك ) عن محمد بن عبد الله ابن أخي الزهري ( ضعفه ابن معين وقال ابن حجر صدوق له أوهام ووثقه أبو داود وعدة ) عن حمزة بن عبد الله بن عمر وهو ثقة إمام ..
وإنما الإشكال عندي في سند ابن عساكر من أوله ففيه من لم أجد ترجمته .
وضعف كون أبو جهل خال عمر ابن عبد البر وابن الجوزي وقد رجّح القول بأن أمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة المخزومية وليست بنت هشام بن المغيرة مؤرج السدوسي في حذف من نسب قريش (ص-80) والكلبي في جمهرة النسب (ص-105) كما حققه الأستاذ عبد السلام بن محسن آل عيسى في كتابه دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب وسياسته الإدارية رضي الله عنه (1/74) .
6- قتال عمر مع عتبة بن أبي ربيعة
جاء في رواية عن عائشة في قصة إسلام أبيها وضرب عتبة له وفي آخرها :
أن عمر رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه سلم ، لما أسلم :
يا رسول الله علام نخفي ديننا ونحن على الحق ، ويظهر دينهم وهم على الباطل ؟ فخرج عمر ، فطاف بالبيت ثم مر بقريش وهي تنتظره ، فقال أبو جهل : زعم فلان إنك صبوت ، فقال عمر: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، فوثب المشركون إليه ، فوثب على عتبة بن ربيعة فبرك عليه ، فجعل يضربه ، وأدخل إصبعيه في عينيه ، فجعل عتبة يصيح ، فتنحى الناس عنه ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج عمر أمامه وحمزة بن عبد المطلب حتى طاف بالبيت وصلى الظهر معلناً ، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قلت : وفعل عمر في عتبة هذا الفعل لأن في أول الحديث ضرب عتبة أبي بكر ضربا شديدا حتى غير معالم وجهه ..
رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (30/48) وأبو نعيم في معرفة الصحابة ( 7274) مختصرا وفي سنده عثمان بن عبد الله ابن الأرقم ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (6/155) والبخاري في التاريخ الكبير (6/232) ولم يذكرا فيه جرحاً وتعديلاً وذكره ابن حبان في الثقات (7/198) فهو مستور .
ورواه خيثمة بن سليمان القرشي الأطرابلسي في حديثه ( 1/126) عن شيخه عبيد الله بن محمد بن عبد العزيز العُمَري وقد رماه النسائي بالكذب ، وذكره عن خيثمة ابن كثير في البداية ورده فقال : والصحيح أن عمر إنما أسلم بعد خروج المهاجرين إلى أرض الحبشة ، وذلك في السنة السادسة من البعثة . اهـ
ورواه قوام السنة أبو القاسم التيمي في الحجة في بيان المحجة (2/340) وفيه عمران بن موسى بن طلحة ذكره البخاري في التاريخ الكبير(6/422) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً وذكره ابن حبان في الثقات (7/242) وقد يكون مستور الحال لكن في إسناده من لم أجد له ترجمة ، فأرجو أن هذا الحديث يحتمل التحسين بإذن الله .
7- هل نزل قرآن في إسلام عمر
جاء في رواية أن عمر أسلم بعد تسعة وثلاثين رجلاً فصاروا أربعين فنزل جبريل بقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [ الأنفال-64]
فروى الواحدي في أسباب النزول عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة وثلاثون رجلا ، ثم إن عمر أسلم فصاروا أربعين ، فنزل جبريل عليه السلام بقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } .
وذكره السيوطي في لباب النزول (1/100) من رواية البزار والطبراني بسند ضعيف من طريق عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس وقال : وأخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح عن سعيد بن جبير فذكره . وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن المسيب مرسلا . اهـ
قلت : رواه الطبراني في المعجم الكبير (12/60) والواحدي في أسباب النزول (1/160) وابن عساكر في تاريخ دمشق (44/39) وابن الأثير في أسد الغابة (2/314) كلهم من طريق إسحاق بن بشر الكاهلي وهو متهم بالكذب والوضع كما في الجرح والتعديل وميزان الاعتدال وفيه أيضاً خلف بن خليفة صدوق اختلط .
وأخرج البزار والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما أسلم عمر قال المشركون : قد انتصف القوم اليوم منا وأنزل الله : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } .
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/61) : وفيه النضر أبو عمر وهو متروك .
والحديث أيضا منكر كما قال ابن كثير رحمه الله عند تفسيرها : وقد روى سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير أن هذه الآية { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } أنزلت حين أسلم عمر ، وفي هذا نظر ، لأن الآية مدنية وإسلام عمر كان بمكة بعد الهجرة إلى أرض الحبشة وقبل الهجرة إلى المدينة .
خاتمة :
ظهر لي من روايات قصة إسلام عمر على كثرتها .. قضايا مهمة :
الأولى : ما وقر في قلبه قبل إسلامه ففيه الصحيح والمقبول ، ولدخول الإسلام قلبه أسباب شتى ، ولعل أصلها دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له .
الثانية : ذهابه إلى بيت أخته وإيذائها وزوجها سعيد بن زيد .. وهذا نقله أكثر من روى قصة إسلامه على ضعف رواياتها ، ولكن مجموعها يثبت أنه جرى بأي صورة كان ، فإنهم وإن كانوا ضعفاء فبعيد أن يتواطأوا على مثل هذا ، وإن كان من الاختلاف الظاهر فيما وجده وقرأه من قرآن ( طه – الحديد – العلق ) .
الثالثة : ذهابه إلى بيت الأرقم بن أبي الأرقم وإعلان إسلامه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أما قصة ذهابه للحجر وسماعه لقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس فيها ما يعضده . وقد جاءت باختلاف كثير وطرق مختلفة ..
الرابعة : قد صح أيضا قصص لما حدث بعد إسلامه كما ذكرنا أعلاه ..
ويكفينا ما جاء عن ابن مسعود في الصحيح قوله رضي الله عنه وأرضاه : ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر..
ولا داعي أن أكتب عن فضائله وشمائله فهي كثيرة معروفة .. وإنما فقط أحببت أن أذكر أهم وأشهر الروايات في قصة إسلام أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وأرضاه ..
وهذا جهد المقل ودلوه الضعيف ..
وأسأل الله أن يغفر لي الخطأ والزلل ..
وأرجو ممن مر على هذا الممر أن يصحح ما فيه من خطأ ، أو يبين لنا فائدة ، وأن يدعو لأخيه بظاهر الغيب ليقول الملك له ولك بمثل كما صح في الحديث..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
رد مع اقتباس